أحمد الشرع (الجولاني): من قائد في الظل إلى صانع التغيير في سوريا 2025

أحمد الشرع (الجولاني) الحمد لله الذي منّ على أرض الشام بهذا النصر المؤزر. في غضون 11 يومًا، شهدت سوريا تحررًا من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها. في مشهد تاريخي من قلب الجامع الأموي الكبير، أعلن أحمد الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، انتصار الثورة السورية وسقوط نظام الأسد ومحور إيران.

رمزية ظهور الجولاني في الجامع الأموي، الذي استباحته الميليشيات الإيرانية لسنوات، كانت كبيرة؛ حيث جسّد هذا الحدث نهاية حقبة وبداية مرحلة جديدة لسوريا. ولكن من هو أحمد الشرع؟ وكيف تحول من شخصية جهادية إلى زعيم وطني بارز؟


أحمد الشرع (الجولاني) الجذور والنشأة: أحمد الشرع من الرياض إلى دمشق

وُلد أحمد حسين الشرع، المعروف لاحقًا باسم أبو محمد الجولاني، في الرياض عام 1982 لعائلة ذات جذور تعود إلى قرية جبين في الجولان المحتل. كان والده حسين الشرع قوميًّا عربيًّا بارزًا درس الاقتصاد والعلوم السياسية، وله مؤلفات حول اقتصاديات النفط، بينما كانت والدته مدرّسة جغرافيا محافظة. نشأ الجولاني في بيئة تجمع بين القومية العربية والتدين المعتدل.

عاد مع عائلته إلى دمشق عام 1989، حيث استقرت في حي المزة. أكمل الجولاني تعليمه هناك حتى التحق بجامعة دمشق. تأثرت شخصيته بالانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، ما دفعه إلى التحول نحو التدين والميول الجهادية. بدأ يظهر ميولًا دينية واضحة وأصبح مواظبًا على الصلاة في جامع الشافعي بحيه، لكن نقطة التحول الكبرى كانت عندما بدأ يتردد إلى حلب لحضور خطب الداعية الجهادي أبو القعقاع السوري.


البداية الجهادية: من العراق إلى القاعدة

تأثرت حياة الجولاني بخطب أبو القعقاع التي دعت الشباب للقتال ضد الاحتلال الأمريكي في العراق. قرر الجولاني اتخاذ قرار مصيري بالسفر إلى العراق بعد الغزو الأمريكي. هناك، انضم إلى جماعة سرايا المجاهدين بقيادة أبو طلحة العراقي، وهي جماعة أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة بقيادة أبي مصعب الزرقاوي.

برز الجولاني سريعًا داخل التنظيم ليصبح من الدائرة المقربة للزرقاوي. لاحقًا، أُرسل إلى لبنان للإشراف على تدريب جماعة “جن الشام” المرتبطة بالقاعدة. لكن مسيرته تعرضت لانتكاسات كبيرة، إذ تم القبض عليه أثناء محاولته زرع عبوة ناسفة ضد القوات الأمريكية في العراق. أمضى خمس سنوات متنقلًا بين معتقلات أبو غريب وبوكا وكروبر، حيث تعرف على شخصيات بارزة أصبحت لاحقًا قيادات في تنظيم داعش.

كانت فترة السجن نقطة تحول كبرى في حياة الجولاني، حيث صقلت تجربته الجهادية ومنحته الفرصة لبناء علاقات قوية مع قيادات التنظيمات الجهادية.


أحمد الشرع (الجولاني)

تأسيس جبهة النصرة: العودة إلى سوريا

مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، رأى الشرع في الأحداث فرصة للعودة إلى بلاده. حصل على موافقة قيادة تنظيم القاعدة لتأسيس فرع في سوريا. برفقة ستة من رفاقه، بدأ الجولاني بتشكيل خلايا سرية لمواجهة النظام السوري. في يناير 2012، أعلن في تسجيل صوتي عن تأسيس جبهة النصرة لأهل الشام.

تميزت جبهة النصرة منذ البداية بتنفيذ عمليات نوعية استهدفت مواقع النظام السوري، ما أكسبها شعبية واسعة بين المعارضين. لكنها في المقابل، وُضعت تحت أنظار المجتمع الدولي. في عام 2013، صنفت الولايات المتحدة النصرة كمنظمة إرهابية بسبب ارتباطها المعلن بتنظيم القاعدة.


التحول الكبير: هيئة تحرير الشام والسياسة

في منتصف 2016، اتخذ الجولاني خطوة جريئة بفك ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة. ظهر لأول مرة في تسجيل مصور كاشفًا وجهه، وأعلن تغيير اسم التنظيم إلى جبهة فتح الشام، مؤكدًا أن هدف التنظيم هو دعم الثورة السورية. لكن الخطوة الأكثر درامية جاءت في عام 2017، عندما أعلن الجولاني تشكيل هيئة تحرير الشام، التي ضمت عدة فصائل معارضة.

فرضت الهيئة سيطرتها على إدلب ومناطق واسعة في شمال سوريا، وبدأت ببناء نظام حكم خاص بها، تضمن إنشاء حكومة الإنقاذ السورية كذراع سياسي. رغم هذه التحولات، لم تستطع الهيئة التخلص من سمعة الإرهاب التي التصقت بها. استمرت ممارسات الاعتقال التعسفي وقمع الحريات في مناطق سيطرتها، ما زاد من التوترات بين السكان المحليين والهيئة.


النصر في دمشق: من جهاد إلى دبلوماسية

في أواخر عام 2024، قاد الجولاني عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد النظام السوري، بالتعاون مع فصائل المعارضة. في الثامن من ديسمبر من ذات العام، أعلن رسميًا سقوط حكم آل الأسد الذي استمر 54 عامًا. قبل دخول دمشق، تخلى الجولاني عن اسمه الحركي “أبو محمد الجولاني”، وبات يُعرف باسمه الحقيقي أحمد الشرع.

خلال هذه المرحلة، ركز الشرع على تقديم خطاب سياسي جديد. دعا السوريين للاحتفال، مشيرًا إلى بداية مرحلة جديدة لسوريا. تميزت المعارك التي خاضها فصيله بعدم التعرض للمدنيين والأقليات، في محاولة واضحة لتغيير الصورة السلبية التي ارتبطت بهيئة تحرير الشام.


رؤية للمستقبل: هل يصبح الجولاني زعيمًا سياسيًا؟

مع تحولات الجولاني من قائد جهادي إلى زعيم سياسي، بات يُنظر إليه كمرشح محتمل في أي انتخابات قادمة. ركز في خطابه الجديد على أهمية بناء دولة سورية موحدة ومستقرة. كما بدأ بفتح قنوات تواصل مع المجتمع الدولي، وخصوصًا مع تركيا، لتحقيق انتعاش اقتصادي في المناطق التي يسيطر عليها.

تظل هذه التحولات محط جدل واسع. فهل سيتمكن أحمد الشرع من تجاوز ماضيه وإعادة تشكيل صورته أمام السوريين والمجتمع الدولي؟ وهل يمكن أن يسجل التاريخ أنه الرجل الذي استطاع أن يوحد سوريا بعد سنوات من الحرب والانقسام؟


تحسين السيو (SEO):

    samadour

    duhmi مساحة إلكترونية تهدف إلى تقديم محتوى متنوع وشامل في مختلف المجالات. تجمع بين الدقة، الإبداع، والتحليل العميق لتلبية احتياجات القراء من مختلف الاهتمامات. سواء كنت تستهدف المقالات التقنية، الثقافية، أو الاجتماعية، فإن مدونتك تسعى دائمًا لإثراء المحتوى العربي بمعلومات دقيقة، مفيدة، ومتجددة