عبد الحميد بن باديس: المصلح الجزائري ومؤسس جمعية العلماء المسلمين 2025

عبد الحميد بن باديس يُعد من أبرز الشخصيات الإصلاحية في تاريخ الجزائر الحديث. عُرف بألقاب مثل “المصلح الثوري”، “العالم المفسر”، و”المعلم المربي”. أسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكان رمزا للعلم والتعليم، لذلك يحتفل الجزائريون في 16 أبريل/نيسان سنويًا بـ”يوم العلم” تخليدًا لذكراه.

النشأة والخلفية العائلية

وُلد عبد الحميد بن باديس في 4 ديسمبر/كانون الأول 1889 بمدينة قسنطينة بالجزائر. نشأ في عائلة عريقة ذات مكانة اجتماعية مرموقة، حيث كان والده محمد المصطفى بن باديس من أعيان المدينة وقاضيًا وعضوًا في المجلس الجزائري الأعلى. اشتهرت أسرته بشخصيات بارزة مثل المعز بن باديس، الذي أسس مذهب أهل السنة والجماعة.

أسرة عبد الحميد بن باديس عُرفت بتدينها وحبها للعلم، مما كان له أثر كبير في تشكيل شخصية الطفل عبد الحميد. كان والده يشجع التعليم الديني واللغة العربية، وهو ما جعل عبد الحميد منذ صغره يندمج في بيئة غنية بالمعرفة والالتزام بالقيم الإسلامية. هذه الخلفية القوية ساهمت في تكوين فكره الإصلاحي لاحقًا.

التعليم والتكوين العلمي

عبد الحميد بن باديس

بدأ عبد الحميد بن باديس رحلته العلمية عام 1903، حيث تعلم علوم الدين واللغة في جامع “سيدي محمد النجار” بقسنطينة، وحفظ القرآن الكريم في سن الثالثة عشرة. كان معلمه الأول الشيخ حمدان الونيسي، الذي زرع فيه حب الإصلاح ونبذ الجمود الفكري.

في عام 1910، التحق عبد الحميد بن باديس بجامع الزيتونة بتونس، الذي كان منارة العلم في شمال إفريقيا. هناك، درس على يد نخبة من العلماء البارزين مثل محمد النخلي القيرواني ومحمد الطاهر بن عاشور، حيث تعلم أصول الفقه، التفسير، الحديث، واللغة العربية. نال شهادة التطويع عام 1911 بترتيب الأول، ليصبح من رموز النهضة العلمية والدينية.

خلال فترة دراسته، لم يكتفِ عبد الحميد بن باديس بتلقي العلم فقط، بل كان يشارك في حلقات النقاش ويطرح رؤيته حول القضايا الفكرية والاجتماعية. تميز بذكائه الحاد وقدرته على التحليل، مما جعله محط احترام أساتذته وزملائه.

أثناء رحلة الحج عام 1913، التقى بالشيخ البشير الإبراهيمي في المدينة المنورة، واتفق معه لاحقًا على تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. كما التقى بعدد من العلماء البارزين مثل الشيخ حسين أحمد الهندي، الذي نصحه بالعودة إلى الجزائر لخدمة دينه ووطنه.

المسار الإصلاحي

اهتم عبد الحميد بن باديس بتطوير التعليم العربي والإسلامي في الجزائر. في عام 1926، أسس مكتبًا للتعليم الابتدائي العربي، والذي تطور إلى مدرسة جمعية التربية والتعليم الإسلامية عام 1930، وشملت نشاطاتها أكثر من 170 فرعًا عبر البلاد. كان الهدف من هذه المدارس تعزيز الهوية الإسلامية والعربية في مواجهة سياسات الاستعمار الفرنسي التي هدفت إلى طمس الهوية الوطنية.

استخدم عبد الحميد بن باديس الصحافة كأداة فعالة لنشر أفكاره الإصلاحية، فأصدر جريدة “المنتقد” عام 1925، التي كانت تُعبر عن رؤيته في الإصلاح السياسي والديني. وبعد أن أُغلقت بقرار من السلطات الاستعمارية، أسس جريدة “الشهاب”، التي أصبحت منبرًا فكريًا هامًا لنشر الوعي بين الجزائريين.

في عام 1931، أسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مع 72 عالمًا، وجعل شعارها: “الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا”. ركزت الجمعية على محاربة الجهل والخرافات، وتعزيز القيم الإسلامية، والاهتمام باللغة العربية كلغة أساسية في التعليم.

الأدوار السياسية

كان عبد الحميد بن باديس ناشطًا سياسيًا بجانب دوره الإصلاحي. في عام 1936، دعا لعقد مؤتمر إسلامي بالجزائر لمواجهة مشروع اندماج الجزائر مع فرنسا. شارك في مؤتمر باريس الإسلامي، ورفض بشدة الاحتفالات الفرنسية بمناسبة مرور قرن على احتلال الجزائر.

كما دعا عبد الحميد بن باديس إلى مقاطعة المجالس النيابية الفرنسية عام 1937، مؤكدًا أن الجزائر أرض إسلامية عربية لا يمكن فصلها عن هويتها الأصلية. رفض جميع محاولات فرنسا لدمج الجزائر في الثقافة الفرنسية، واعتبر ذلك تهديدًا لوجود الأمة الجزائرية.

مواقفه السياسية كانت واضحة في رفضه للسياسات الاستعمارية التي تسعى لتهميش اللغة العربية والإسلام. كان يرى أن الحفاظ على الهوية الوطنية يتطلب نهضة تعليمية ودينية، وهو ما عمل عليه طوال حياته.

الإرث الفكري والمؤلفات

لم يترك عبد الحميد بن باديس مؤلفات مكتوبة، لكنه ترك آثارًا جمعت لاحقًا من قِبل تلامذته، منها:

  • تفسير ابن باديس: تم نشره لأول مرة عام 1948، وأعيدت طباعته عدة مرات.
  • كتاب العقائد الإسلامية: جمعه ونشره تلامذته لاحقًا.
  • مقالات وخطب وقصائد شعرية منشورة في صحف مثل “المنتقد”، “الشهاب”، و”البصائر”.

كان لكتاباته أثر كبير في توجيه الفكر الجزائري نحو النهضة والإصلاح. أسلوبه كان يتميز بالوضوح والارتباط المباشر بالقضايا التي تهم المجتمع، مما جعله قريبًا من الناس.

الوفاة وذكراه

توفي عبد الحميد بن باديس يوم 16 أبريل/نيسان 1940 بمدينة قسنطينة. شيّع جثمانه في جنازة ضخمة حضرها آلاف الجزائريين من مختلف المناطق، تعبيرًا عن تقديرهم لإرثه العلمي والإصلاحي.

يُعتبر عبد الحميد بن باديس رمزًا للهوية الثقافية والدينية للجزائر، وإسهاماته أثّرت بعمق في حركة النهضة الجزائرية. اسمه اليوم مرتبط بالعلم والنضال، ودوره الريادي لا يزال مصدر إلهام للأجيال.

عبد الحميد بن باديس في ذاكرة الجزائر

لا تزال شخصية عبد الحميد بن باديس حاضرة بقوة في الجزائر، حيث يُحتفل بيوم العلم كل عام لتخليد ذكراه. أعماله ومبادئه تُدرس في المدارس والجامعات، وهو ما يعكس مكانته الكبيرة في تاريخ الجزائر.

يظل إرثه شاهدًا على أهمية الإصلاح التعليمي والديني في بناء المجتمعات ومواجهة التحديات. فكما قال: “أمة بلا أخلاق كجسد بلا روح”، كانت رؤيته تنبع من إيمانه العميق بأن القيم الإسلامية والعربية هي الأساس لبناء الأمة الجزائرية.

samadour

duhmi مساحة إلكترونية تهدف إلى تقديم محتوى متنوع وشامل في مختلف المجالات. تجمع بين الدقة، الإبداع، والتحليل العميق لتلبية احتياجات القراء من مختلف الاهتمامات. سواء كنت تستهدف المقالات التقنية، الثقافية، أو الاجتماعية، فإن مدونتك تسعى دائمًا لإثراء المحتوى العربي بمعلومات دقيقة، مفيدة، ومتجددة